الثلاثاء، 22 أكتوبر 2019

بقلم الكاتب ابراهيم مقدير

قصة قصيرة
وأثمر المعروف
"""""""""""""""
جرس الظهيرة رن مدويا ..وجموع العمال شرعت تخرج تباعا ..تسابق الزمن لتظفر بوجبة فالكل كانوا  جياعا ..وقع نظره على رجل يفترش كرتونا ولم تكن المرة الأولى التي يرى فيها مثله  ...لكن شيئا غامضا مبهما شده إليه ...فديار الغربة ترطب الصدر  وتلين القلب عنوة ...ورغم كونه أحد مسؤولي تلك الشركة العملاقة إلا أن  معدنه النفيس كان يحتم عليه دوما قضاء حوائج المغتربين وخاصة من بني جلدته ...
اقترب منه فلم يلاحظ على مظهره بوادر البؤس والشقاء بعد ...إذ لم يمر على مجيئه الكثير ..وكانت بوابة تلك الشركة ملاذه الأخير ..
أخرج خفية عن رفاقه مبلغا ماليا وسلمه إياه ولم ينبس بكلمة واحدة ومضى إلى سبيله حيث يهرع الكل إلى  مطعم بالجوار يعد أكلات  خفيفة ومقهى تجاوره ...فتجمعهم أنفارا وفرادى لما يزيد عن الساعة حتى فترة العمل بعد الزوال ...
اغتاظ ذاك القابع قبالة الشركة من وضعه الذي دام أسبوعا ..ولم يجد أذنا صاغية لمراده ومرامه ..وحتى تلك المبالغ المالية التي كان ذاك المحترم يزوده بها صارت له معرة وخزيا ونغصت عنه لياليه التي كان يقضيها في مرآب مجاور ..
كان أميا نازحا بل فارا من التجنيد في الخدمة الوطنية بمسقط رأسه وشق عباب البحر مجازفا مغامرا عله يجد رغد العيش في بلاد المهجر ...كحال الكثير ممن أتيحت لهم الفرصة  لذلك .
لقد سئم تلك الحالة ورغب في عمل بتلك الشركة المختصة  في ربط الخرسانة وصبها ولو حارسا ليليا أو بوابا ..فقرر ألا يقبل إعانة من أي أحد مهما كان ..
وصادف أن عاود ذاك الشهم الكريم فعلته بأن زوده بمبلغ مالي كديدنه ...بيد أن الغريب أمسك يد الرجل وأبى أن يقبل العطية قائلا:
_ بارك الله فيك سيدي ..لكن أريد منك أن تسدي لي خدمة تكمل بك أفضالك علي ...
_ رد المسؤول برحابة صدر ودماثة خلق خاصة حينما أيقن أن الرجل من أبناء وطنه  : لن أخذلك لو كان بالإمكان .
_ أريد منك أن تتوسط لي في عمل بالشركة .
_ أمهلني أياما ..
أثرت حالة الرجل في نفسية المسؤول وتذكر شأنه قبل سنوات من ذاك .ووقعت كلماته على الصدر حملا ثقيلا وواجبا لا مناص منه ..فما كان منه إلا أن أمن له بوساطة وحذاقة حراسة ليلية لذاك الصرح الكبير ..
استلم العامل الجديد مهامه وراح يجد ويكد ويتفانى في عمله ..رغم أنه كان قليلا ما يلتقي صاحبه ذاك واشتاق إليه كثير خاصة بعد تعينه في مسؤولية جديدة بالشركة الأم بالعاصمة ...
ولم تكن لتتاح فرص اللقاء بينهما عدا رسائل نادرة تبعث بينهما بين الفينة والأخرى ..
وتمر السنون تباعا ..وقد جمع كلاهما أموالا بالعملة الصعبة جسداها في أرزاق بالوطن الأم كل في مدينته ...
سبق ذاك المسؤول صاحبه  في  بلوغ سن التقاعد وعاد إلى أرض الوطن ثريا ذا جاه بين عشيرته وأرجاء مدينته ..ثم جاء الدور على ذاك الذي ذاق مرارة الغربة والحاجة وقلة الحيلة قبل أن يعود إلى تربته ميسورا مسرورا ..
وما أن استقر في سكنه الفخم وتحركت دواليب سيارة فارهة يقودها نجل كاد أن يتسرب من صفوف الدراسة أو يتشرد لعوز شديد  وفاقة مجحفة .
ما إن رأى ذاك النعيم حتى دق ناقوس الذكريات في حقيبة ماضيه ..
فجهز مركبته تلك واصطحب بِكرهُ سائقا وأتخمها بالهدايا والإكراميات ثم قصد تلك المدينة الساحلية ليلاقي صديقه وسنده وقت شدته ..ولم يكن ليسأل كثيرا عنه فذاك الرجل الفذ كان أشهر من نار على علم ..زانته حجة إلى البقاع المقدسة ..فغدا من رموز المدينة وأعيانها ..
كان اللقاء حميميا كبيرا بعد ما يربو عن ربع قرن من الزمن .. بين كهلين جمعهما نبل وصدق المشاعر وأخوة في الدين والوطن ...
وكم ذُرفت دموع الشوق بين الرجلين على مرأى من باقي أفراد الأسرة التي استغربت من قمة الوفاء ... فأثمرت بعدها تلك الأيام القليلة سنوات من حفظ الجميل والاعتراف به ..لتزهر تلك الصدفة فتنتج علاقة وطيدة شملت الأسرتين وكثرت بعدا زيارات الود والمحبة   حتى  قوت أواصرها لتسفر عن مصاهرة ربطت بين أبناء الرجلين ..
# إبراهيم _ مقدير تبسة / الجزائر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق